الأربعاء، 19 أغسطس 2015

قَــصْرُ الْـحَــمْــرَاءِ في غرناطة



4 من ذي القعدة 1436 هـ     002
قَــصْرُ الْـحَــمْــرَاءِ


قَـصْرُ الحَمْرَاءِ في غرناطة؛؛ وجوهرة التاريخ الإسلامي في الأندلس ..
أول من بدأ في تشييده الملك المسلم أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر عام 635ه/1238م، والملقب بالأحمر نسبة للحيته الحمراء، فكان أول ما دخل غرناطة كقائد رحب به الشعب بهتافات "مرحبـــًا بك يا أيها المنتصر" فأجاب عليهم "لا غالب اليوم إلا الله"، وهذا هو الشعار المكتوب في جميع انحاء الحمراء.
ولم يكن قصر الحمراء سوى جزء من "مدينة الحمراء" أو "قصبة الحمراء" فوق الهضبة الواقعة على ضفة نهر حدره اليسرى التي تشمل قصر الحاكم والقلعة التي تحميه، والذي تم بناءه في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وتم تطويره في القرن الخامس الهجري في أيام دول الطوائف، فتم إنشاء مباني دور الوزراء والحاشية حتى غدت قاعدة ملكية حصينة .

ولكن بعد أن استوطن "بنو الأحمر" بغرناطة أخذوا يبحثون عن مكان مناسب يوفر لهم القوة والمنعة، فاستقر بهم المطاف عند موقع الحمراء في الشمال الشرقي من غرناطة عند الهضبة، وفي هذا المكان المرتفع وُضع أساس حصنهم الجديد عند "قصبة الحمراء"، واتخذ بنو الأحمر من هذا القصر مركزًا لملكهم، وأنشئوا فيه عددًا من الأبراج المنيعة، وأقاموا سورًا ضخمًا يمتد حتى مستوى الهضبة، وهذه الأبنية على ثلاثة أقسام: القسم العسكري؛ ويقع شمال شرقي القصر، وهو عبارة عن قلعة تحرس الحمراء ولها برجان عظيمان، ثم القصر الملكي في الوسط، ثم الحمراء العليا المخصصة للخدم.
فأول من بدأ بتشييد "قصر الحمراء" هو "أبو عبد محمد بن يوسف الأحمر"، كعلامة متميزة في تاريخ العمارة الإسلامية وكإبداع للآثار الإسلامية بما يحتويه من فن في الصنع الهندسي ومهارة التصميم والزخرفة، وفي أواخر القرن السابع الهجري، أنشأ "محمد بن محمد بن الأحمر الغالب بالله ثاني سلاطين غرناطة" مباني الحصن الجديد والقصر الملكي، ثم أنشأ ولده "محمد" في جوار القصر مسجداً قامت محلَّه بعد سقوط دولة الأندلس كنيسة سانتاماريا.
وتم الانتهاء من بنائه قبالة نهاية حكم المسلمين في الأندلس على يد "يوسف الأول" 733ه/1333م، 754ه/1353م، وفي عهد "محمد الخامس سلطان غرناطة" ما بين 754ه/1353م، 792ه/1391م.

ويشمل مجموعه من الأفنية والحدائق والبهو والقاعات ..

فناء الريحان الكبير ..  تتقدمه ساحة البركة، أو فناء الريحان الكبير المستطيل الشكل، تتوسطه بركة المياه وتظللها أشجار الريحان الجميلة ومنقوش في زواياه عبارة: "النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين"، والآية الكريمة [وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ] آل عمران 126، وفي النهاية الجنوبية لهذا البهو باب عربي ضخم هدمت المباني التي كانت وراءه ولم يبق منها سوى أطلال، وتوجد في هذه الأطلال بعض النقوش مثل "لا غالب إلا الله"، "عزٌّ لمولانا السلطان أبي عبد الله الغني بالله"، ويؤدي باب فناء الريحان الشمالي إلى بهو صغير اسمه "بهو البركة".
بهو السفراء .. يؤدي البهو الذي يَلِي فناء الريحان من الجهة الشمالية إلى بهو السفراء أو بهو قمارش، الذي يُعدُّ أضخم بهو في قصر الحمراء، وبه قبة يصل ارتفاعها إلى 23م، ولهذا البهو شكل مستطيل أبعاده 18×11م، وفيه كان يعقد مجلس العرش، ويعلوه برج قمارش المستطيل.


فناء السَّرو .. يؤدي بهو البركة من جهة اليمين إلى باحة السرو، وإلى جانبها الحمامات الملكية، وأول ما يلفت النظر غرفة فسيحة زخارفها متعددة الألوان مع بروز اللون الذهبي ثم الأزرق والأخضر والأحمر وفي وسطها نافورة ماء صغيرة، وتعرف باسم غرفة الانتظار، أما الحمامات فتغمرها الأنوار الداخلة عبر كوات بشكل ثريات وأرضها مرصوفة بالرخام الأبيض، ومن الحمام يتم الدخول إلى غرفة الامتشاط والاستراحة، التي تكثر فيها الرسوم الغريبة عن الفن الإسلامي، ويتخلل الحمامات أبهاء صغيرة.
قاعة الأختين .. قاعة تقع في شرق بهو البركة، وأرضها تحتوي على قطعتين من الرخام متساويتين وضخمتين.


بهو الأسود .. تؤدي قاعة الأختين من بابها الجنوبي إلى بهو الأسود أشهر أجنحة قصر الحمراء، قام بإنشاء هذا الجناح "السلطان محمد الخامس الغني بالله" 755ه/1354،793ه/1391م؛ وفيه بهو مستطيل الشكل أبعاده 35م×2م وتحيط به من الجهات الأربع أروقة ذات عقود، يحملها 124 عمودًا من الرخام الأبيض صغيرة الحجم، ولكنها كثيرة الجمال والرشاقة وعليها أربع قباب مضلَّعة، وفي وسط البهو نافورة الأسود الجميلة، وعلى حوضها المرمري المستدير إثنا عشر أسدًا من الرخام الجميل، تخرج المياه من أفواههم بحسب ساعات النهار والليل، وقد تعطلت مخارج المياه في هذه البركة؛ حيث حاول الفرنجة التعرف على سر انتظام تدفق المياه بالشكل الزمني الذي كانت عليه.
قاعة بني سراج .. في منتصف الناحية الجنوبية من بهو الأسود مدخل قاعة بني سراج الغرناطيين، فرشت أرضها بالرخام وتعلوها قبة عالية، وفي جوانبها نوافذ يتسرب منها النور، وفي وسط القاعة حوض نافورة مستديرة من الرخام.
قاعة الملوك أو قاعة العدل .. في جهة شرق بهو الأسود مدخل قاعة الملوك،. زُين سقف الحنية الوسطى بصور عشرة من ملوك غرناطة تعلوهم العمائم، تعبر ملامحهم عن الوقار والكبرياء، وهناك صور فرسان ومشاهد صيد.
منظرة اللندراخا .. في جهة شمال بهو الأسود وقاعة الأختين بهو منظرة اللندراخا، وذهب بعضهم في تفسير هذا اللفظ بأنه محّرف لثلاث كلمات عربية "عين دار عائشة"، والتي كانت إحدى ملكات غرناطة في القرن الرابع عشر الميلادي.


مُتَزَيَّن الملكة .. جناح علوي صغير في نهاية الطرف الشمالي للحمراء، تحت (برج المتزين) الذي يعود إلى عهد السلطان يوسف الأول أبي الحجاج.
مسجد الحمراء .. كان أفخم مساجد غرناطة في وسط الهضبة في جنوب الروضة وحلَّ محلَّه مبنى كنيسة سانتاماريا.
جنة العريف .. بالقرب من قصر الحمراء؛ وعلى بعد 1000م منه يوجد هذا القصر، الذي شُيِّد في أواخر القرن السابع الهجري – الثالث عشر الميلادي –، ويقع شمال شرقي قصر الحمراء فوق ربوة مستقلة ومن ورائه جبال الثلج، وقد غرست في ساحات القصر وأفنيته الرياحين والزهور الفائقة الجمال، حتى أصبح هذا القصر المثل المضروب في الظل الممدود والماء المسكوب والنسيم العليل، وقد اتخذه ملوك غرناطة منتزهًا للراحة والاستجمام.





ومن بعد سقوط غرناطة قضى "الإمبراطور شارلكان من الصليبين" على تراث الأندلس وآثارها، وهدم قسمًا كبيرًا من قصر الحمراء ليبني قصره عام 1527م، وتابع ذلك ولده "فيليب الثاني" 1556م/1598م من تخريب لقصر الحمراء وتشويهه، وكذلك الإهمال أدى إلى الخراب، وفي عام 1590م حدث حريق ألحق الضَّرر بهذا القصر الأثري، وفي فترة الغزو الفرنسي على إسبانيا نسف الفرنسيون بعض أبراج قصر الحمراء، ولكن مع منتصف القرن التاسع عشر أدركت إسبانيا أهمية هذا القصر وفائدة المحافظة عليه للسياحة.
إنَّ المتجول في قصر الحمراء لا يراه مجرد قصر، وإنما ينظر إليه كمدينة إسلامية تحمل الحضارة والأصالة وبديع الصنع، من جمال للطبيعة في الأشجار والأزهار والسواقي المائية وفن الزخرفة ودقة البناء الهندسي، هو ذكرى إسلامية في غرناطة تبهج الأبصار برؤيته وتحزن النفوس لفقده وفقدان دولة إسلامية حضارية عريقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق