السبت، 14 نوفمبر 2015

مَسْـجِدُ قُـبَّةُ الصَّـخْرَةِ



2 من صفر 1437 هـ     003

مَسْـجِدُ قُـبَّةُ الصَّـخْرَةِ


 
مَسْـجِدُ قُـبَّةُ الصَّـخْرَةِ يقع في مدينة القدس في حرم المسجد الأقصى .. في شمال المسجد الأقصى ..
بناه الخليفة الأموي "عبد الملك بن مروان" في أعلى مكان من منطقة الحرم الشريف، وتم تشييده ما بين "عام 66ه/685م" "وعام 72ه/691م"، ويعد من أهم المعالم الإسلامية في فلسطين الحبيبة، فهو من أقدم المنشآت الأموية كبناء إسلامي أكثر قدمــًا، وما زال محتفظــًا بملامحه الأصلية رغم الإضافات والإصلاحات التي تمت له نتيجة الزلازل وبخاصة زلزال عام 1016م في أيام الدولة الفاطمية، يمثل رائعة فنية نادرة كبناء مضلع تعلوه قبة، ويحمل كمنشأة إسلامية شكلاً متميزًا وفريدًا.

والمسجد والقبة يحيطان بالصخرة الصماء التي تقع تحت القبة في وسط المصلى، وتشرفت بعروج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى السموات العلى، والصخرة من الحجر الصلد جرداء قاتمة اللون طولها من الشمال إلى الجنوب حوالي 18 متراً، وعرضها من الشرق إلى الغرب حوالي 14 متراً، وأعلى نقطة فيها مرتفعة عن الأرضية نحو 1.5، وحولها حاجز من الخشب المنقوش والمدهون، ويتجه جانب الصخرة المنحدر إلى الشرق وجانبها المستقيم المرتفع إلى الغرب، وتحت الصخرة المشرفة توجد مغارة يكون النزول إليها على سلم حجري، وتظهر الصخرة فوق المغارة وكأنها معلقة بين الأرض والسماء، وترجع قدسيتها الى حدَثين هامين ..
الحدث الأول: أن الخليل إبراهيم عليه السلام قد همَّ بذبح ولده امتثالاً للرؤية في منامه فافتداه الله بكبش، و كان ذلك على تلك الصخرة وفي ذلك الموقع.
والحدث الثاني: هو المعراج فقد عرج رسول الله صلى الله عليه و سلم منطلقــًا من هذه الصخرة على البراق الى السماء.

ويعتبر مسجد قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم؛ لما يحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا، لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية حتى اعتبر آية في الهندسة المعمارية.
غطت معظم أروقة وجدران المصلى من الداخل بالفسيفساء وهي تظهر الفن الإسلامي في الزخرفة كي تشكل وحدة فنية منسجمة في التكوين ومتحدة في الأسلوب، حيث أنَّ حجارة الفسيفساء كانت مصنوعة محليــًا.
وأجمل ما في الزخرفة الآيات القرآنية في أعلى أقواس المضلع المثمن الأوسط تعتبر أقدم ما كتب من الخط العربي الجميل، أطلق عليه إسم الخط الجليل ومجموعة الألواح البرونزية المذهبة التي تغطي بعضها أجزاء من الأبواب الأربعة أو الأفاريز الواصلة بين تيجان أعمدة أوواق هي أجزاء فريدة في العالم لأصالتها ولجمالها وغناها الزخرفي، وتسيطر عليها أوراق العنب والعناقيد المعالجة بمهارة متجددة.
اهتم حكام المسلمين على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية، فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها.

في عهد "الخليفة العباسي المأمون" "198/218ه 813/833م"، قام بزيارة بيت المقدس "عام 216ه/831م"، وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب فأمر بترميمه وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة الصخرة المشرفة، مما حدا بالمأمون أن يضرب "الفلس" يحمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ مدينة القدس وذلك في "عام 217ه/832" كذكرى لإنجاز ترميماته.
وفي عهد "الخليفة العباسي المقتدر بالله" في "عام 301 ه/913م" تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة، اشتملت على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا، مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله نصرها الله، وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة".

وفي عهد الخليفة الفاطمي "الحاكم بأمر الله" "386/411ه 996/1021م" تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة حدثت في "عام 407ه/1016م"، وأدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة الكبيرة، حيث تم البدء بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي "الحاكم بأمر الله" واستكمل في عهد ولده الخليفة "الظاهر لإعزاز دين الله" "411/427ه 1021/1036م"، وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها واكتملت في "عام 413ه/1022م"، وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة.




وفي عهد القائد العظيم "صلاح الدين الأيوبي" "564/589ه 1169/1193م"، وبعد ما قام بتحرير فلسطين واستردادها من الإحتلال الصليبي الغاشم "عام 583 ه/1187م"، وكان مسجد قبة الصخرة قد تعرض للإنتهاك والإغتصاب عندما احتل الصليبيون بيت المقدس عام 493ه/ 1099م، حيث قاموا بتحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم"، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحــًا ووضعوا فيها الصور والتماثيل مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة.
فقام القائد العظيم "صلاح الدين الأيوبي" بتطهير مسجد قبة الصخرة وقام بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم التي وضعوها عليها، وإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوبــًا من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي جاء فيه ما نصه:"بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته، وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة"
وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك "العزيز عثمان بن صلاح الدين" 589/595ه 1193/1198م، قام بوضع الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة لحمايتها بدلاً من الحاجز الحديدي الذي وضعه الصليبيون .

وفي عهد سلاطين المماليك كان الاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، فقد قام السلطان الملك "الظاهر بيبرس" "658/676ه 1260/1277م" بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك في عام 699ه/1270م.
وفي عهد السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" وفي فترة سلطنته الثالثة "709/741ه 1309/1340م" والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، فقام بأعمال صيانة وترميم عديدة في قبة الصخرة ومنها تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في "عام 718ه/1318م"، وكما أنه قام بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها.

وفي عهد سلاطين الدولة العثمانية التي استمرت أربعة قرون، حيث لم تنقص أهمية المحافظة والصيانة لقبة الصخرة، بل قل إنها زادت وتضاعفت.
ففي عهد السلطان "سليمان القانوني 926/974ه 1520/1566م"، الذي استطاع أن يصبغ قبة الصخرة بالفن العثماني من خلال مشروعه الكبير المشار إليه في نقشه التذكاري الموجود فوق الباب الشمالي لقبة الصخرة، والذي اشتمل على استبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية والتي ظلت قائمة منذ الفترة الأموية، فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة وحتى الفترة العثمانية، وقد استبدلت بالبلاط القاشاني المزجج والملون في "عام 959ه/1552م"، مما أكسب قبة الصخرة روعة وجمالاً فائقين من الخارج كما هي من الداخل، كما قام بتجديد النوافذ الجصية الواقعة في رقبة القبة وذلك في "عام 945ه/1538م".
ومن مشاريع الترميمات العثمانية المهمة تلك التي أنجزت في عهدي السلطانين "عبد المجيد الأول" "1255/1277ه 1839/1861م"، والسلطان "عبد العزيز 1277/1293ه 1861/1876م"، حيث تم إنجاز أعمال ترميمات ضخمة استمرت مدة من الزمن، كلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة، حيث استدعي خبراء ومهندسون من خارج البلاد لتقوية وصيانة المبنى الأساسي للقبة وزخارفها من الداخل والخارج.
وفي عهد السلطان "عبد الحميد الثاني" "1293/1327ه 1876/1909م" تم كتابة سورة (يس) الموجودة حالياً في أعلى واجهات التثمينة الخارجية، وقد كتبت بالخط الثلث على القاشاني، كما أمر السلطان عبد الحميد بفرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد الثمين، كما أنه بالإشارة إلى القبة الصغيرة التي تقوم إلى الغرب من مدخل المغارة والتي على ما يظهر أنها أضيفت في الفترة العثمانية والتي عرفت بحجرة شعرات النبي عليه السلام، وقد قال المؤرخ المقدسي الجليل عارف العارف بخصوصها ما نصه: ".. وقد عهد إلى آل الشهابي من الأسر القديمة في بيت المقدس بمهمة الاحتفاظ بهاتين الشعرتين من شعر النبي، ويحتفل القوم بها مرة في كل سنة، في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان .."

مَسْـجِدُ قُـبَّةُ الصَّـخْرَةِ أثر هام في تاريخ العمارة الإسلامية مرتبط في قلب كل مسلم وفي عقيدته برحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في "الإسراء والمعراج"، وهي في العمارة الإسلامية أقدم أثر باق يشهد على نشأة فن العمارة الإسلامية الراقية وعلى جمال زخرفة هذا الفن البديع، ويوضع كلبنة أولى في صرح العمارة الإسلامية وفي تاريخ الحضارة الإسلامية.



  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق